الحلقة 3: “كشـ 24” ترصد تفاصيل ولادة المجموعتين الغنائيتين المراكشيتين لرصاد وألوان
مجموعة لرصاد كانت سباقة إلى التغني باللغة العربية الفصحى
الحديث عن مجموعة لرصاد هو الحديث عن مجموعة غنائية تحمل اسما دالا في العمق على الرغبة في تغيير الواقع المعاش والصمود والتمرد في وجه الجشع المجتمعاتي، ارتبطت بباطن الأحياء الهامشية، وكانت من ألمع التجارب الغنائية الملتزمة التي نهلت من معين الفن النبيل، كما أسست لنفسها مكانة متألقة ومتميزة في صفوف الطليعة المثقفة ولامست النجومية على الصعيدين الوطني والعربي.
استطاعت مجموعة لرصاد معانقة جمهورا متعطشا ومتوهجا إلى سماع قصائد أكثر صدقا وذات مضامين وجدانية وإنسانية، مستنبطة ومستوحاة من صميم البيئة المغربية، من خلال أداء أغاني قائمة على التعددية التيماتية وملتحمة بالواقع، تعالج مواضيع اجتماعية وقومية ودينية وسياسية بالغة الأهمية، كتدهور الوضع المعيشي لبعض فئات المجتمع واكتوائها بنار الحرمان وسنوات الرصاص واختلال موازين القوى الدولية ثم غلبة منطق العنف بدل ثقافة الحوار والتواصل.
كانت مجموعة “لرصاد” السباقة إلى التغني بالعربية الفصحى، نظرا لطبيعة القضايا والمواضيع التي تتناولها وتعالجها بطريقة فنية راقية، والتي تعنى بالانسان العربي المسلم عامة كأهم قضاياه، وكذا وضعية القدس الشريف تحت الاحتلال الصهيوني، وكذا التزام المجموعة على التعاطي مع هذه القضايا برقي لفوي، يدع إنتاجها يسمو بالذوق الانساني.
لم تقتصر مجموعة لرصاد على استعمال اللغة العربية الفصحى في المنتوج الغنائي بل كان أيضا في طبيعة الآلات التي تعزف بها، حيث اعتبرت “لرصاد” أول فرقة استعملت قيتارة “الباص”، التي تناغمت مع اللحن الحزين والقوي في الوقت ذاته، الذي يشكو آلام الإنسان العربي، ويفجر مكامن قواه التي بداخله.
عملت لرصاد منذ تأسيسها على المزاوجة بين استعمال العربية الفصحى والدارجة العامية، كما أبلغت رسالتها الواضحة المعالم بلغة أنيقة، منتقاة بدقة، جد معبرة، ومليئة بالكلمات الدافئة والمرصعة بالرموز والدلالات، ذات الشحنة السميائية والبلاغية الوافرة، والحاملة للمعنى إلى أبعد الحدود.
وتبدو إيقاعات وألحان “لرصاد”، كخليط من الألوان الموسيقية الحزينة والحماسية، ذات المفعول السحري الموقظ للأوجاع وللأحاسيس، والمضمدة مؤقتا لجراح شريحة واسعة من المستمعين.
أغاني مجموعة لرصاد، أغلبها من تأليف زجالين رائعين، يتعلق الأمر بميلود الرميقي والراحل محمد شهرمان، اللذين دأبا دوما على كتابة نصوصهما بحساسية مفرطة وطاقة إبداعية وهاجة، دون أن ننسى استعارتهما في كثير من الأحيان لعناصر الطبيعة.