بالتزامن مع ارتفاع موجة الحرارة التي تضرب بأطنابها مختلف ربوع جهة مراكش، ارتفعت وثيرة الإحتقان بدوار بوراس بجماعة أكفاي بعمالة مراكش، وباتت الساكنة تضرب أخماس في أسداس وهي تجاهد لإيجاد مخرج من الورطة التي أودت ببعضهم مدارك التوقيف والإعتقال، وألقت بالبعض الآخر في جحيم المطاردات، على خلفية رشقهم بسهام مذكرات بحث وطنية.
تحول المشهد بشكل درامي، ووجهت سهام العدالة اتجاه أعناق العديد من أبناء هذا التجمع السكاني المثخن بجراحات الفقر والتهميش، بعد أزيد من ثلاث سنوات على الإحتجاج والتنديد بمظاهر التلوث التي زرعتها مخلفات معمل صناعي استنبث بفضاءات الدوار في غفلة من الجميع.
فوجيء الجميع بصدور قرارات توقيف في حق بعض المحتجين، وسيجت رئيس جمعية البيئة بحبال التوقيف والإعتقال، فيما أجبر خمسة أشخاص آخرون على الإحتماء بجدار الفرار والإبتعاد عن متناول الإعتقال، فوجدوا أنفسهم مطاردين من العدالة على خلفية صدور مذكرات بحث وطنية في حقهم، لتكون الخلاصة تشتيت شمل أسر بكاملها بين معتقل وطريد، في انتظار ما سيسفر عنه القادم من الأيام.
بدأت فصول الواقعة سنة 2004، حين انتفضت الساكنة المذكورة، وقامت بمحاصرة معمل زيتون تم استنباته برحاب الدوار، وشرع في رشق الزرع والضرع بنفايات ومخلفات، مسببا في خسائر جسيمة بالنظر للأضرار الفادحة التي تكبدتها المزروعات، ناهيك عن الروائح الكريهة التي باتت تنشر سحبها على مجمل الفضاء.
تم تقديم شكاية في الموضوع،سارعت إثرها السلطات المحلية بتشكيل لجنة مختلطة انتهت معاينتها بإصدار تقرير أكدت سطوره"على ان صاحب المعمل لم يلتزم للمرة الثالثة بتطبيق الملاحظات المنبثقة عن جميع المعاينات السابقة".
ملاحظة كشفت عن إصرار اصحاب المعمل على ادارة الدهر لكل مقررات اللجن المختصة من قبيل: ضرورة الحصول على رخصة المطابقة والاستغلال، وانجاز صهاريج لتجميع وتبخير النفايات الناتجة عن عملية استخراج زيت الزيتون وفق دراسة مطابقة للمعايير المعمول بها حفاظا على البيئة،وكذا التخلص من النفايات الصلبة الناتجة عن عملية التبخير مباشرة تفاديا لانبعاثات الروائح الكريهة، ودون احتساب طبعا قرار انجاز دراسة تاثير المشروع على البيئة.
واذا كانت محاضر المعاينة الاولية قد اكدت على ان المعمل قد احدث اضرارا خطيرة بالساكنة، بفعل تسرب مخلفاته لمياه السقي، والحاق جملة من الخسائر ببعض الأغراس، فقد ظلت الساكنة تعيش تحت رحمة هذه المخاطر طيلة سنوات ما ارغمها على ركوب قطار الاحتجاج والاعتصام بمدخل الملعب، لترتفع درجة الاحتقان بشكل بات يهدد السلم الاجتماعي وينذر بخروج الامور عن نطاق السيطرة، خصوصا بعد هبوب عاصفة رعدية كشفت تداعياتها المستور واغرقت الحقول بنفايات المعمل ،وبالتالي اضطرار اهل الحل والعقد سنة2011 إلى إصدار قرار يقضي باغلاق المعمل ومنع العمل به لحين الالتزام بشروط السلامة البيئية وسلامة السكان.
استنجد اصحاب المعمل بدراسة تاثير على البيئة اكدت على ان نشاط المعمل لا يسبب اية اضرار بيئية، في محاولة للالتفاف على قرار الاغراق، حيث بادر السكان بالطعن في الدراسة ومطالبة السلطات القضائية بتعيين خبير محايد لانجاز خبرة علمية لا يطالها العبث من بين يديها ولا من خلفها، وهو الامر الذي استجابت له المحكمة وقررت ايفاد خبير يوم 17 يوليوز الجاري.
فيما الجميع ينتظر نتائج الخبرة، سيفاجؤون بالسلطات المحلية تستنفر عناصر قواتها العمومية، وتحاول افساح المجال امام اصحاب المعمل لاستئناف انشطتهم، بدعوى تنفيذ احكام قضائية تقضي باستئناف العمل، الامر الذي ووجه بغضب عارم من الساكنة التي اعتبرت الامر تواطؤا مفضوحا،واستهتارا بصحتها وسلامة اراضيها ومنتجاتها الفلاحية التي تعتبر مصدر عيشها الوحيد.
بادرت ادارة المصنع بتقديم شكايات ببعض الساكنة المحتجة، تتهمهم من خلالها بعرقلة حرية العمل وتحريض السكان على منع دخول او خروج الشاحنات والناقلات، ما سبب في خسائر مالية جسيمة وبالتالي ابداء الرغبة في متابعة المعنيين قضائيا.
شكاية انتهت باعتقال رئيس جمعية تاشرافت للتنمية والمحافظة على البيئة، وإحاطة خمسة آخرين بمذكرات بحث وطنية، ما زاد في إذكاء منسوب الإحتقان في صفوف الساكنة، التي قررت تصعيد موقفها والدخول في أشكال احتجاجية أخرى، لإسماع صوتها لمن يهمهم الأمر والمطالبة بالإفراج عن الموقوفين ووقف المطاردات في حق المبحوث عنهم، تحت شعار"ما مفاكينش مع هاذ الحكرة".