بدر الدين البوعمري يكتب.. مراكش بين العلم والخرافة

هي الحمراء. عروس النخيل، وبهجة النفوس. تعددت اسماؤها وتنوعت. وتناسلت ألقابها وتباينت. تبهر الزائر بحسنها، فيصير عبدا لسحرها. متيما بشمسها ونسيمها، هائما بين رياضها وجنانها.قد يغدو إليها مهموما، فيمسي متهلل الوجه محبورا … تلكم هي مراكش الفيحاء، ذرة الحضارات، و عبق التاريخ. مرقد النساك والعلماء. قبلة التقاة، والفقهاء. أوت بين ظهرانيها أعظم الزهاد وأجلهم، فاستحقت أن تدعى أرض الأولياء والصالحين. سبعة رجال أو سبع قامات علمية بصمت على مجد حافل بالعلم، والفقه، والعدل، والأدب، والتصوف. فخلفوا وراءهم كنزا في شتى معارف علوم الدين توارثته البشرية، وغرفت من معينه الأجيال حتى صارت كتبهم مراجع تلقن في أعتى المحافل العلمية، من شرقها إلى غربها. و باتت مناهجهم الفقهية نبراسا يشع، وسراجا ينير السبيل للباحثين عن سر الوجود، وكنه العقيدة. لكن الذي يحز في النفس، و يؤرق البال هو إصرار بعضهم على خلط الأوراق، و تشويه الحقائق، و تزييف التاريخ، وبسط صور نمطية مشينة تمس الوجه المشرق لهذه الحاضرة العتيقة، ورجالاتها الأبرار. وتلصق ذكرهم بسلوكات مهينة، ومعتقدات فاسدة تلحقهم بعالم الأساطير والخرافات التي لا تعدو أن تكون مجرد ترهات وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان. لقد كُتب – بكل أسف – لتلك القامات العلمية أن تُمارَس باسمها أبشع صنوف الجهل وأغرب صور التخلف، والجنوح اللامحدود إلى الاعتقاد بالخرافات والأضاليل: فهذا رجل يتوسل قبر أبي العباس السبتي شيخِ الجود والكرم، والزهد والعلم الذي عمَّ صداه الآفاق؛ كي يُنجح تجارته التي بارت، أو يفك نحسا لازمه. وهذه امرأة تتضرع عند مرقد الإمام القاضي عياض قاضي القضاة، الذي نشأ على يده أكبر الفقهاء وأشهرهم، صاحب “الشفا ” و” ترتيب المدارك “، راجية طرد بؤسها، وإسعادها بالبعل المفقود، أو الولد المنشود. وذاك يسعى حافيا، متأبطا نعلا، و كومة أحلام لا متناهية، قاصدا ضريح الإمام الجزولي، شيخ الدعاة، وخير من صلى على الحبيب المصطفى – عليه أفضل الصلوات- صاحب “دلائل الخيرات”، الذي سارت بذكره الركبان، ونالت شرف تلاوته أجيال تلو أجيال؛ ليقضي حاجته، ويبعد عنه مكر الحاسدين… لقد دأبت بعض العقول الهشة على ابتداع طقوس، واستحداث طرق واهية تنم عن جهل مقيت بالدين، وقصور في الفكر، وتشبع أخرق بمبادئ، وأفكار تعبث بأصول الشريعة الحقة، و تمس ثوابت العقيدة. ناسين أو متناسين أن هؤلاء الرجال قد غادرونا إلى دار الخلد بجوار ربهم بعدما صدقوا ما عاهدوا الله عليه، واهبين حيواتهم للعلم، والفقه، والتصوف. فلم يعد من خير يرجى من الجلوس إلى مراقدهم، و التوسل إلى أجداثهم لرفع ضرر، أو قضاء حاجة. وأن الأولى لهم التوسل إلى رب العباد، خالق كل شيء الحي الذي لا يموت، مصداقا لقول خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام : “إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله” . و خير ما نختم به، بعض الأبيات التي جاد بها ابو الحسن اليوسي2، عارضا لمناقب الرجالات السبعة، ولحضوتهم العلمية، والدينية حين قال:
بمراكش لاحت نجوم طوالع فمنهم أبو يعقوب ذو الغار يوسف ونجل   أبي   عمران   الذي وبحر أبي العباس ليس يخوضه ونجل سليمان  الجزولي ففضله وتباعهم بحر الكرامة والهدى أبا القاسم السهيلي دابا أضف لهم جبال رواسي  بل  سيوف  قواطع إليه تشير بالأكف الأصابع على علمه في الكون تصغى المسامع سواه  كريم   لا   يزال    يمانع شهير ومن   يدع و عليه يسارع وسيدنا  الغزواني  نوره ساطع إمام  التقى والعلم  بحره واسع
.