ثقافة-وفن
عمر أوشن عن الغرباوي.. من يحب الحياة يصنع لوحات فنية ولا ينتحر..
يتصالح المغرب مع جزء من ذاكرته الثقافية والفنية ..لذلك رأينا في فاس الكاتب والشاعر محمد بنيس الى جانب تشكيليين لهم وزنهم مهدي قطبي مدير المؤسسة الوطنية للمتاحف وفؤاد بلامين ومحمد المنصوري الإدريسي ووالي المدينة في لقاء ذكرى الجيلالي الغرباوي الذي فارق الحياة مبكرا عام 1971 عن سن 41 سنة ذات يوم شتوي على مقعد في حديقة بباريس..الذين حضروا للتكريم يعرفون القيمة الكبيرة للفنان الغرباوي الذي شكل منعطفا ونقلة قيمية في الفنون المغربية جعلت التشكيل والرسم والصباغة ينتقل من التقليدي والفلكلوري والعفوي التراثي إلى التجديد والتجريد والتمرد على الأنماط السائدة برؤية نحو المستقبل وبما في الذات من أسئلة .. لم أستغرب أن أسمع مهدي قطبي يقول باعتراف أن الرائد الغرباوي كان له سندا في بداياته..كان مسار حياة الجيلالي الغرباوي شاقا صعبا قاسيا. لم يولد في ثوب من حرير.. ولم يجد من يقدم له الحساء والرضاعة وهو صبي في ملعقة من ذهب..فكانت تجارب الفقر واليتم والتيه وتفكك الأسرة أولى دروس الحياة الفانية .. سيموت الأب القاسي ويتركه لأم فقيرة سترحل بعده ثم يتلقفه خال أكثر قساوة للعيش معه ليتركه إلى مصيره مقطوعا من شجرة في خيرية للأطفال في فاس.. الطفولة تصنع الرجال لكنها تصنع المأساة والحزن والغضب من الوجود كله..هكذا ستطبع شخصية الفنان لاحقا الرغبة في رفض العالم والعزلة والاكتئاب والمرض النفسي و التشظي والسفر الدائم ..وسيظهر ذلك على أعماله في فترة لاحقة بما تغير من أسلوب ولمسة وحركة وثورة على الجاهز..سيعيش الغرباوي من فنه وأعماله متنقلا بين باريس والرباط بعد أن كان وجد من يساعده على المصالحة مع هذه الحياة التي واجهته بقساوة عاتية ..سيصادف فرنسيا مكلفا بمتحف البطحاء في فاس ثم سيحالفه الحظ ليتلقى الفتى الموهوب يد المساعدة من الكاتب أحمد الصفريوي الذي سيفتح له باب دراسة الفنون الجميلة في باريس..ثم بعدها سينتقل إلى روما في جولة تكوين فني سيكون لها الأثر البين على أعماله بما راكمه في إيطاليا من مخالطة فنانين وأساليب .. لكن الغرباوي الذي سيبهر العالم في فترات لاحقة لم يجد وهو حي في بلده من يعترف بقيمته الفنية ..هل كان يحتاج الى أسرة ..إلى مدير تواصل ووكالة أعمال وإشهار كما اليوم ؟ أم إلى قبيلة أوحزب أو انتماء بورجوازي محظوظ مدلل..؟كم هم كثيرون من عديمي الموهبة نفخوا فيهم نفخا لأنهم محسوبون على هذا الحزب أو لأنهم يعرفون أساليب كيف تصير مشهورا في خمسة أيام بدون معلم.. الغرباوي لا يحتاج" يد الله" .. الغرباوي له يده المجنونة ..تكفيه..كثير ممن كتبوا عن الغرباوي يجمعون أنه واجه نكرانا وإهمالا في بداياته الى أن دق إسمه عاليا في سماء الفنون بعد رحيله ..الفنان غالبا يعيش وهو ميت قد غادر الدنيا .هذا ما جرى للكبار في كل العالم.. لقد كان لمعرض معهد العالم العربي في 93 بباريس الأثر الكبير على الإعتراف بفنان لم ينل حقه وهو يتجول معنا في شوارع الرباط وأسواقها و يحتسي في باراتها من الشراب الذي جعله إحدى المهدئات التي تذوب قليلا روحه المهدودة المحطمة حينما لا يجد حبوب أطباء مستشفى الرازي للأمراض العقلية.. اليوم يقام له معرض في الرباط في أكبر متحف للفن العاصر وهي شهادة إعتراف أخرى من أعلى المؤسسات الفنية المغربية..فنانون تشكيليون كبار في أوروبا والعالم مثل فان كوخ وغوغان ومودي غالياني و دو تولوز و أندي وارول وعباس صلادي وغيرهم طبعت حياتهم أزمات نفسية مرهقة وحالات جنون .. والغرباوي لم يخرج عن القاعدة بنوبات مرض نفسي متكررة جعلته يقوم مرتين بمحاولة انتحار و الهروب من أزمة وقلق الوجود ..لذلك عاش متجولا غير مستقر بين الرباط وباريس ..حينما يتعب من هنا يهرب إلى الهناك ..وحينما يضجر من نساء باريس وسحبها وبرد شتاءها يهرب إلى زنقة دمشق.. إنه التيه..دوخة الفنان التي لا تستقر سوى بتفجيرها صباغة لتهدئة الروح المعذبة التي لا يستقر لها قرار..لوحات الغرباوي مرت من مراحل وتجارب بحثا عن أفق تعبيري جديد .فيده ولمساته وعينه تعودت على الأسلوب الإنطباعي في الأول ثم التشخيصي وبعدها التجريدي .. لاعب بمهارات متعددة و لي عندو باب وحدة الله يسدها عليه..أسلوب يمزج بين لوحات شاعرية و متمردة حزينة منفعلة متفجرة متشظية ومنتحرة وجودية قلقة بضربات معلم .. لقد رسم أشياء غريبة في تلك الفترة رائعة وهو نزيل مستشفيات الأمراض العقلية تماما كما وقع لعباس صلادي الذي تلاعب السماسرة والمزورون في أعماله وهو حي ثم وهو قد رحل...لوحات الغرباوي توجد الآن لدى نخب المغرب وكبار رجال الدولة و رجال الأعمال والأبناك و المؤسسات الاقتصادية وهناك من يتباهى بها لأنها موقعة الغرباوي و لو أنها مزورة مخدومة مدرحة أو أن الثري تاجر لحوم لا يعرف في التشكيل حتى بصلة.. كما توجد لوحاته خارج البلد لدى مهتمين ومنهم لوحات توجد في دير بتولوز بفرنسا أخذها معهم بعض الرهبان من دير تومليلين بأزرو حيث درس وأقام الغرباوي سنوات من حياته في رفقة جعلته يطمئن للحياة ..لقد كان للأب دوني مارتان يد رحيمة في رعاية اليتيم . الدير الذي كان له صيتا عالميا سيقفل في 1968 بإيعاز من السلفية المغربية وحزب الإستقلال . في تومليلين مع الآباء المسيحيين وجد الغرباوي طعاما ودراسة وريشات وأدوات وقماشا ومرسما للصباغة وسط هدوء صاف وهواء نقي وثقافة سمحاء يتنفسها..ولعل ذلك ما جعل الفنان لا يعير كبير إهتمام للأديان ومفاهيم و تصنيفات قومية ..هو جزء من العالم لا غير.بعد خمسين سنة من رحيله ..يكون لقاء مقبرة فاس تحية إعتراف من البلد الى فنان عاش متعبا ثم أستغل من قبل جماعات تجار التشكيل والمضاربين.. مات في صمت بعيدا قبل أن ينقل إلى حيث يرقد اليوم.. الجيلالي الغرباوي فنان لم يمت
يتصالح المغرب مع جزء من ذاكرته الثقافية والفنية ..لذلك رأينا في فاس الكاتب والشاعر محمد بنيس الى جانب تشكيليين لهم وزنهم مهدي قطبي مدير المؤسسة الوطنية للمتاحف وفؤاد بلامين ومحمد المنصوري الإدريسي ووالي المدينة في لقاء ذكرى الجيلالي الغرباوي الذي فارق الحياة مبكرا عام 1971 عن سن 41 سنة ذات يوم شتوي على مقعد في حديقة بباريس..الذين حضروا للتكريم يعرفون القيمة الكبيرة للفنان الغرباوي الذي شكل منعطفا ونقلة قيمية في الفنون المغربية جعلت التشكيل والرسم والصباغة ينتقل من التقليدي والفلكلوري والعفوي التراثي إلى التجديد والتجريد والتمرد على الأنماط السائدة برؤية نحو المستقبل وبما في الذات من أسئلة .. لم أستغرب أن أسمع مهدي قطبي يقول باعتراف أن الرائد الغرباوي كان له سندا في بداياته..كان مسار حياة الجيلالي الغرباوي شاقا صعبا قاسيا. لم يولد في ثوب من حرير.. ولم يجد من يقدم له الحساء والرضاعة وهو صبي في ملعقة من ذهب..فكانت تجارب الفقر واليتم والتيه وتفكك الأسرة أولى دروس الحياة الفانية .. سيموت الأب القاسي ويتركه لأم فقيرة سترحل بعده ثم يتلقفه خال أكثر قساوة للعيش معه ليتركه إلى مصيره مقطوعا من شجرة في خيرية للأطفال في فاس.. الطفولة تصنع الرجال لكنها تصنع المأساة والحزن والغضب من الوجود كله..هكذا ستطبع شخصية الفنان لاحقا الرغبة في رفض العالم والعزلة والاكتئاب والمرض النفسي و التشظي والسفر الدائم ..وسيظهر ذلك على أعماله في فترة لاحقة بما تغير من أسلوب ولمسة وحركة وثورة على الجاهز..سيعيش الغرباوي من فنه وأعماله متنقلا بين باريس والرباط بعد أن كان وجد من يساعده على المصالحة مع هذه الحياة التي واجهته بقساوة عاتية ..سيصادف فرنسيا مكلفا بمتحف البطحاء في فاس ثم سيحالفه الحظ ليتلقى الفتى الموهوب يد المساعدة من الكاتب أحمد الصفريوي الذي سيفتح له باب دراسة الفنون الجميلة في باريس..ثم بعدها سينتقل إلى روما في جولة تكوين فني سيكون لها الأثر البين على أعماله بما راكمه في إيطاليا من مخالطة فنانين وأساليب .. لكن الغرباوي الذي سيبهر العالم في فترات لاحقة لم يجد وهو حي في بلده من يعترف بقيمته الفنية ..هل كان يحتاج الى أسرة ..إلى مدير تواصل ووكالة أعمال وإشهار كما اليوم ؟ أم إلى قبيلة أوحزب أو انتماء بورجوازي محظوظ مدلل..؟كم هم كثيرون من عديمي الموهبة نفخوا فيهم نفخا لأنهم محسوبون على هذا الحزب أو لأنهم يعرفون أساليب كيف تصير مشهورا في خمسة أيام بدون معلم.. الغرباوي لا يحتاج" يد الله" .. الغرباوي له يده المجنونة ..تكفيه..كثير ممن كتبوا عن الغرباوي يجمعون أنه واجه نكرانا وإهمالا في بداياته الى أن دق إسمه عاليا في سماء الفنون بعد رحيله ..الفنان غالبا يعيش وهو ميت قد غادر الدنيا .هذا ما جرى للكبار في كل العالم.. لقد كان لمعرض معهد العالم العربي في 93 بباريس الأثر الكبير على الإعتراف بفنان لم ينل حقه وهو يتجول معنا في شوارع الرباط وأسواقها و يحتسي في باراتها من الشراب الذي جعله إحدى المهدئات التي تذوب قليلا روحه المهدودة المحطمة حينما لا يجد حبوب أطباء مستشفى الرازي للأمراض العقلية.. اليوم يقام له معرض في الرباط في أكبر متحف للفن العاصر وهي شهادة إعتراف أخرى من أعلى المؤسسات الفنية المغربية..فنانون تشكيليون كبار في أوروبا والعالم مثل فان كوخ وغوغان ومودي غالياني و دو تولوز و أندي وارول وعباس صلادي وغيرهم طبعت حياتهم أزمات نفسية مرهقة وحالات جنون .. والغرباوي لم يخرج عن القاعدة بنوبات مرض نفسي متكررة جعلته يقوم مرتين بمحاولة انتحار و الهروب من أزمة وقلق الوجود ..لذلك عاش متجولا غير مستقر بين الرباط وباريس ..حينما يتعب من هنا يهرب إلى الهناك ..وحينما يضجر من نساء باريس وسحبها وبرد شتاءها يهرب إلى زنقة دمشق.. إنه التيه..دوخة الفنان التي لا تستقر سوى بتفجيرها صباغة لتهدئة الروح المعذبة التي لا يستقر لها قرار..لوحات الغرباوي مرت من مراحل وتجارب بحثا عن أفق تعبيري جديد .فيده ولمساته وعينه تعودت على الأسلوب الإنطباعي في الأول ثم التشخيصي وبعدها التجريدي .. لاعب بمهارات متعددة و لي عندو باب وحدة الله يسدها عليه..أسلوب يمزج بين لوحات شاعرية و متمردة حزينة منفعلة متفجرة متشظية ومنتحرة وجودية قلقة بضربات معلم .. لقد رسم أشياء غريبة في تلك الفترة رائعة وهو نزيل مستشفيات الأمراض العقلية تماما كما وقع لعباس صلادي الذي تلاعب السماسرة والمزورون في أعماله وهو حي ثم وهو قد رحل...لوحات الغرباوي توجد الآن لدى نخب المغرب وكبار رجال الدولة و رجال الأعمال والأبناك و المؤسسات الاقتصادية وهناك من يتباهى بها لأنها موقعة الغرباوي و لو أنها مزورة مخدومة مدرحة أو أن الثري تاجر لحوم لا يعرف في التشكيل حتى بصلة.. كما توجد لوحاته خارج البلد لدى مهتمين ومنهم لوحات توجد في دير بتولوز بفرنسا أخذها معهم بعض الرهبان من دير تومليلين بأزرو حيث درس وأقام الغرباوي سنوات من حياته في رفقة جعلته يطمئن للحياة ..لقد كان للأب دوني مارتان يد رحيمة في رعاية اليتيم . الدير الذي كان له صيتا عالميا سيقفل في 1968 بإيعاز من السلفية المغربية وحزب الإستقلال . في تومليلين مع الآباء المسيحيين وجد الغرباوي طعاما ودراسة وريشات وأدوات وقماشا ومرسما للصباغة وسط هدوء صاف وهواء نقي وثقافة سمحاء يتنفسها..ولعل ذلك ما جعل الفنان لا يعير كبير إهتمام للأديان ومفاهيم و تصنيفات قومية ..هو جزء من العالم لا غير.بعد خمسين سنة من رحيله ..يكون لقاء مقبرة فاس تحية إعتراف من البلد الى فنان عاش متعبا ثم أستغل من قبل جماعات تجار التشكيل والمضاربين.. مات في صمت بعيدا قبل أن ينقل إلى حيث يرقد اليوم.. الجيلالي الغرباوي فنان لم يمت
ملصقات
ثقافة-وفن
ثقافة-وفن
ثقافة-وفن
ثقافة-وفن
ثقافة-وفن
ثقافة-وفن
ثقافة-وفن